300×250

السمارة : رؤية استراتيجية لحزب الاستقلال نحو تنمية شاملة ومستقبل واعد

0

صحراء توذوس : السمارة

لم تعد مدينة السمارة مجرد نقطة في الجنوب المغربي، بل تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى ورش استراتيجي مفتوح، يعكس رغبة الدولة في إعادة تشكيل خريطة التنمية بالأقاليم الجنوبية، مشاريع نوعية كمشروع “السمارة بدون صفيح”، وتأهيل مطار المدينة، وفتح معبر أمگالة الحدودي، ليست مجرد بنى تحتية، إنها إشارات واضحة إلى بداية تموقع جيوسياسي جديد، تستعد فيه السمارة لتكون عقدة ربط اقتصادية وجغرافية بين الداخل المغربي والعمق الإفريقي.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، إنه نتيجة تراكُم نضج سياسي، وتكامل مؤسساتي بين الدولة والأحزاب، تَجسَّد بوضوح في الدورة العادية للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال التي انعقدت يوم أمس الجمعة 9 ماي 2025، تحت رئاسة القيادي مولاي حمدي ولد الرشيد، دورة لم تكن عادية في توقيتها ولا في مضامينها، بل شكّلت مؤشرًا على أن الحزب قرأ المرحلة جيدًا: محليًا، من حيث انتظارات الساكنة، ووطنيًا، في سياق التوجهات الملكية لتعزيز التنمية المتوازنة، وإفريقيًا، ضمن الرؤية الجديدة للمغرب كقوة اقتصادية عابرة للصحراء.

التحول الأبرز الذي كرّسته هذه الدورة لا يتعلق فقط بالإعلان عن إنهاء مظاهر السكن غير اللائق، بل بما يحمله هذا الإنجاز من رمزية سياسية، فهو بمثابة اختبار نجح فيه الفاعل الحزبي في ترجمة الخطاب إلى فعل، والبرنامج إلى واقع، عبر شراكة فعالة مع السلطة المحلية، وعلى رأسها والي الجهة عبد السلام بيكرات، هذا التنسيق لا يُظهر فقط مرونة المؤسسات، بل أيضًا نضج الفاعل السياسي الذي تجاوز منطق المعارضة التقليدية نحو منطق التشارك في التنمية.

أما من حيث الخطاب، فقد حملت المداخلات رسائل سياسية قوية، لم يكن الحديث عن الثوابت الوطنية مجرد تأكيد مبدئي، بل تجديد لعهد الوفاء في ظرف إقليمي يتسم بعدم الاستقرار، وأهم من ذلك، كانت الإشارة الذكية إلى معبر أمكالة وربطه بالمبادرة الأطلسية لجلالة الملك محمد السادس تعبيرًا عن وعي الحزب بأهمية إدماج البعد الجغرا-استراتيجي في التفكير التنموي، وربط المحلي بالوطني والدولي.

من زاوية تحليلية، يمكن اعتبار التوجه نحو فتح مطار السمارة وتعزيز السياحة البيئية ليس فقط محاولة لتنشيط الاقتصاد المحلي، بل أيضًا توجّهًا ذكيًا لتثمين الرأسمال الطبيعي والثقافي في المنطقة، فالتنمية، كما جاء في خطاب الحزب، لم تعد تُختزل في الإسمنت والإسفلت، بل أصبحت مسألة إنسانية شاملة، تستهدف تحسين جودة الحياة ومراعاة التوازنات البيئية والاجتماعية.

أما المقترحات المتعلقة بالصناعة التقليدية، والفئات الهشة، والفلاحين المتضررين من تغير المناخ، فتدل على انتقال الحزب من الشعارات الكبرى إلى هندسة اجتماعية دقيقة، تتعامل مع الهشاشة ليس كأمر واقع، بل كمجال للاستثمار الاجتماعي.

في المحصلة، ما وقع في هذه الدورة ليس فقط تقييماً مرحلياً، بل تثبيتٌ لمسار جديد تتجه فيه السمارة نحو لعب أدوار أكبر مما هو محلي، إنها تتحول تدريجيًا من “مدينة الداخل” إلى “بوابة إفريقيا”، ومن مجال جغرافي مهمش إلى مركز للتفاعل بين الدولة، والمجتمع، والفضاء الإقليمي.

وإذا كان لحزب الاستقلال فضل في ذلك، فلأنه فهم أن العمل السياسي الحقيقي لا يُقاس بعدد المؤتمرات، بل بقدرته على تحويل التحديات إلى فرص، والتصورات إلى نتائج، في زمن تراجع الثقة في الأحزاب، تعطي السمارة نموذجًا لما يمكن أن تفعله السياسة إذا التصقت بالميدان، وانحازت للناس.

ليست كل المدن تُمنح فرصة أن تكتب تاريخها من جديد، لكن السمارة تفعل ذلك الآن، بخطى واثقة، ومشاريع ذات نفس استراتيجي، ورؤية حزبية تزاوج بين الوفاء للمؤسسات والانخراط في قضايا الناس، إنها لحظة فارقة، لا تهمّ السمارة وحدها، بل تقدم درسًا وطنيًا في كيف يمكن للمجال، حين يُصغى إليه، أن يتحول من هامش إلى مركز، ومن عبء إلى رافعة، في نهاية المطاف، السياسة التي تنبع من الميدان، وتخاطب الإنسان، وتشتغل بذكاء، هي وحدها من تصنع التاريخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.